الحب الآثم
L'Amour Pécheur
تمثيلية شعرية إذاعية قصيرة في فصل واحد
للكاتب: عبد الله خمّار Abdellah Khammar
ملاحظة: هذه التمثيلية جزء من رواية "حب في قاعة التحرير" المعروضة في هذا الموقع، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحبكتها الدرامية.
***
انبعث صوت موسيقى هادئة، تصاعدت حدّتها شيئا فشيئا ثم توقفت لينبعث صوت قوي أجش هو صوت المخرج نفسه يقول :
"الحب الآثم" : مسرحية إذاعية شعرية من فصل واحد تأليف الشاعر الفقيد كامل الحر، تبيّن معاناة الزوجة المخدوعة من خيانة زوجها ومن إغواء صديقها. انتهى المخرج من ذكر أسماء المشاركين فيها. بدأت أتابع المشهد من وراء الزجاج مستعيناً بالنص المطبوع.
الزوجة:
بعثت إليك وقلبي كسيرْ ودمعي سخيّ وحزني كبيرْ
لأشكو إليك وأنت الصديقْ فإنّي تحملت ما لا أطيقْ
وزوجي أضلَّ هواه طريقهْ له في كل يوم هوى وعشيقهْ
الصَّديق: أتيت إليك بسرعة برق ِ فماذا أردتِ ؟
الزوجة: نصيحة صِدْق ِ
الصَّديق: ألست من خيّرتِهِِ ؟ وعليّ قد فضّلتِهِ ؟
ألمْ تقولي عنه يوماً " فارس الأحلامْ " ؟
والقلب يهفو نحوه كالنبت للغمامْ " ؟
هل كـان كلّ مـا ظننتِهِِ أوهـامْ ؟
الزوجة: أناصحٌ أم شامتٌ تروم منّي الانتقامْ ؟
الصَّديق: بل رمتُ أن تحتقريهْ وتعذ ّبيه وتهجريهْ
ردّي بنفس سلاحـهِ لتنازليهِ وتقهريهْ
الزوجة: إذا هان غيري أنا لن أهونْ
وإنْ خان زوجي فإنّي أصونْ
الصَّديق: ألا تدركينَ بأنّي أحبُّكْ ؟ وحلم حياتي البقاء بقربكْ ؟
الزوجة: رويدكَ يا ابن الأصولْ أتعرف ماذا تقولْ ؟
الصَّديق: أحبّكْ ... وأعرف أنّيَ ظالمْ
لأنّي أحبك
الزوجة: نسيتَ بأنّيَ ربة دارْ وأمُّ صغارْ !
الصَّديق: أحبكْ
ولم أنسَ أنّك ربة دارْ وأمُّ صغارْ
هواكِ حرامْ
وشوْقي إليكِ خطيئهْ
وأعرف أنّيَ وحدي المُلامْ
وأنتِ بريئهْ
ولكنّني رغم هذا أحبّكْ
وأوصد أبواب عمريَ دون النساءْ
جميع النساءْ
وأفتحها صوْبَ قلبكْ
الزوجة: أتيت إليكَ وجرحي عميقْ بعيني ضباب وقلبي حريقْ
لأنّي أرى فيك نِعْمَ الصّديقْ فهلا تراني ضللت الطريقْ
أدّتْ راضية هذا المقطع بكل كيانها وروحها، وأحسست أنّها توجّه الكلام إليّ.
يتجاهل الصديق حديثها ويستمر في غيّه:
ودفء عيونك شمسُ الرّبيعْ
أذاب الصَّقيعْ
وأحيا موات المواسمْ
بقلبي الوجيعْ
وكنت أعيش على هامش العمر عند السّفوحْ
لا غدَ لا حلمَ لي لا طموحْ
ففجَّر فيَّ الهِمَمْ
وحلـَّق بي لِلقِمَمْ
فكيف أقول لعينيك: لا تدفئاني
ولا تومِضا بالحنان ِ
وكيف أقول لقلبي: توقفْ عن الخفقان ِ
محالٌ محالٌ وألفُ محالْ
فإن كان حبُّك إحْدى المَحارمْ
أحبُّك حتى وإنْ كنتُ آثِمْ
الزوجة: وهبني أحبّكَ كيفَ أكونْ ؟ عشيقة إثم ٍ وزوجاً خؤونْ؟
بلهجة توسل : فلا تغوني ياصديقي الودودْ ولا تتعدّى، فديتَ الحُدودْ
الصَّديق: دعينا نفكر في الحاضر ِ ونصـغي إلى الجسد الفائر ِ
فرعشـته دعـوة للقبلْ وقطفِ الزهور ِ وجني ِالعسلْ
تجيبه الزوجة بلهجة استنكار وغضب :
لتلكَ إذن رعشة فاجرهْ ولا ترتضيها سوى غادرهْ
أأسهمُ في صفقة خاسرة تنغّصُ دنيايَ والآخرهْ ؟
يتابع الصديق بلهجة إغواء وإغراء:
تعاليْ نحطّـمُ كلَّ القيـودْ ونمحـوَ ما بيننا من سدودْ
تعاليْ نثور على "الطابوهاتْ" ونصنع بالحبِّ صفوَ الحياةْ
الزوجة (بلهجة استنكار):
أتجذبني نحو درب الخنا وتقذف بي في طريق المهانهْ
أذلك ما تتمنـّى لنــا شناراً ووصماً بعار الخيانهْ
الصَّديق(بغضب): لكنّ زوجك فاجـرُ وخائنٌ وداعـرُ
الزوجة (باستنكار) : إن كان زوجي خائناً فهل أصيرُ خائنهْ ؟
ما الفرق بينـنا إذن ؟ مستهترٌ وماجنهْ
يحاول الاقتراب منها فتخاطبه بلهجة قاسية موبخة :
مكانكَ ابْـقَ ولا تدنُ منّي فـأنت بهـذا تخيّـبُ ظنّـي
شكوت إليك كأنّك بعضي وبانت نواياك في هتك عرضي
قصدت صديقا بساعة ضيقْ وليس عشـيقاً بثوب صـديقْ
كانت راضية تنتفض وترتعش وهي تردّد هذه الأبيات ، وأحسست بالذنب وأنا أدرك أنها تقصدني.
يتراجع الصّديق نادماً ثم يقول معتذراً :
سماحَكِ سيّدتي واعذريني فلست أعي ما أقولْ
ولا تظلميني
فحبّك غشّى عيوني
وكاد يُمَرِّغُني في الوُحولْ
وكدتُ أخون مبادئ عمري وأنسى الأصولْ
أأسعدُ قلبي
بطعنةِ غدر ٍ وإلحاق عارْ
بحرمة دارْ ؟
أمِنْ أجل حبّي
أعرّض عائلة للدّمارْ ؟
كفاني أنانية وانحدارْ
فحب الأنا هو حبٌّ رخيصْ
يمارسُهُ كلُّ نذل ٍ خسيسْ
وضيع ِ الصفاتْ
وهل جوهرُ الحبِّ إلاّ تفان ٍ
ونكرانُ ذاتْ
***
سأمضي بعيدا
ألملم دمعاً
وأشتات عمر ٍ
وذكرى ضياعْ
بإذنك سيّدتي الوداعْ
وحظاً سعيدا
الزوجة( بلهجة ود): بل ابق بقربي صديقا وفيّا
تخففُ وطءَ الهموم عليّا
الصَّديق: سأبقى بجنبكِ نعم الصّديقْ
أذلّل ما اسطعْتُ وعْر الطّريقْ
كانت حركة يد المخرج وتعبيرات وجهه تنتقل بسرعة إلى مهندس الصوت الذي يحولها إلى موسيقى هادئة أو صافية، ويجعلها متناغمة مع النّص ومع أداء الممثّلين. وجدت نفسي أصفق دون وعي بعد انتهاء المشهد الأخير. أشار المخرج بإبهامه إلى الأعلى ليخبر الممثلين بجودة الأداء والتّسجيل. التحقت بنا راضية وزميلها فهنّأتها بحرارة رغم قسوتها في دعوتها لي لحضور هذا التسجيل. وهنّأت زميلها الذي أدّى دوره ببراعة. كانت رسالتها لي واضحة، وكنت أود أن أبلغها الرسالة نفسها ولكنها سبقت.
للاطلاع على الأشعار الأخرى للكاتب انقر هنا: الأعمال الشعريّة